الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد معـز الجـودي «يشخّـص» أمراض الاقـتـصـاد التونسي ويكشف معطيـات «مـفـزعـة» عـن انعكاسات انزلاق الدينار.. وحقيقة «التعويم»

نشر في  26 أفريل 2017  (12:23)

 لا حديث اليوم في الشارع التونسي إلا عن انهيار «الدينار» والورطة التي وضعت فيها نفسها وزيرة المالية لمياء الزريبي اثر شطحات تصريحاتها المتعلقة بانزلاق الدينار والتي اعتبرها البعض غير مسؤولة ومن شأنها أن تفزع المستثمرين وتساهم في مزيد ركود الاقتصاد خاصة في هذا الظرف الهش..
وللتذكير فقد أفادت لمياء الزريبي في حديث لها على موجات اكسبريس أف أم وذلك بخصوص تواصل تدهور قيمة الدينار مقارنة بالأورو والدولار، أفادت بأنّ  قيمة العملة التونسية يحددها أساسا التبادلات التجارية بالسوق المالية العالمية، خاصة أنّ البنك المركزي قلّص من تدخله لتعديل قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية.
كما أبرزت إنّ البنك سيواصل تقليص تدخّله تدريجيا في الفترة المقبلة لتخفيض قيمة الدينار، قائلة إنّ عديد الخبراء يعتبرن أنّ القيمة الحقيقية للعملة التونسية مقابل الأورو الواحد هي 3 دينار.
في هذا الإطار ارتأت أخبار الجمهورية الاتصال بالخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي معز الجودي لاستبيان موقفه من تصريحات وزيرة المالية وفتح ملف الوضع الاقتصادي للبلاد معه عبر الحديث عن «معضلة» الدينار التونسي وانعكاسات انزلاقه القياسي...

مصطلح تعويم الدينار التونسي «خاطئ»

في البداية وحول إجابته عن معنى تعويم الدينار التونسي على شاكلة ما حدث للجنيه المصري خاصة في ظل تساؤل التونسيين عن مفهومه، شدّد معز الجودي على أنّ هذا مصطلح لا معنى له في تونس ولا يتماشى معنا وأننا لسنا في نفس الوضعية الاقتصادية والنقدية في مصر حيث أن منظومة الصرف في تونس ليست بالسعر القار فسعر الدينار التونسي يتحدد مقارنة بسلة من العملات الصعبة الأساسية المتعامل بها كاليورو والدينار واليوان الصيني..

البنك المركزي على الخط..

على صعيد متصّل أكد الجودي بأنّ البنك المركزي هو من يحدد السعر المرجعي للعملات يوميا وذلك حسب الطلب والعرض في السوق الاقتصادية، وبناء على هذا فلا معنى لمصطلح التعويم في بلادنا على حد تعبيره، مضيفا بأنّ البنك المركزي كان الطرف الذي يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة في حال عرضه للبيع أكثر من الطلب نتيجة لتدهور الوضعية الاقتصادية..
وقال الجودي ان البنك المركزي توقف عن تدخله لشراء الدينار التونسي بعد أن «نصحه» صندوق النقد الدولي بعدم التدخل في سوق الصرف وذلك بعدم شراء الدينار  وزد على هذا فان البنك المركزي لم يعد لديه احتياطي كاف للعملة الصعبة للتدخل وشراء الدينار..

تصريحات الوزيرة أحدثت بلبلة وارتباكا كبيرين.. والانهيار كان مبرمجا

وفي معرض حديثه مع أخبار الجمهورية أشار معز الجودي الى انه وبناء على المعطيات التي ذكرها أعلاه فقد كان من المتوقع في الآونة الأخيرة أن ينزلق الدينار التونسي خاصة بعد ما جاء صلب التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي زد على ذلك تدهور الوضعية الاقتصادية والمالية لبلادنا، مشددا على أن هذا الانزلاق الذي يشهده الدينار التونسي كان منذ سنة 2012 -2013..
وحول تصريحات وزيرة المالية حول الدينار التونسي، اعتبر الخبير الاقتصادي أنها كانت في غير محلها وبعثت بإشارات سلبية وكوّنت حالة من الارتباك داخل الأسواق الاقتصادية وذهولا لدى المستثمرين وهو ما زاد من تأزم الوضع الاقتصادي الحالي، مشيرا في المقابل إلى أن تصريحات لمياء الزريبي كانت سلبية للغاية وأحدثت بلبلة في الأسواق مجدّدا القول انّ انهيار الدينار كان مبرمجا وهو ما عكسه كذلك التقرير الأخير للجنة الخبراء الذي سبق تصريحات لمياء الزريبي..
هذا كما اعتبر الجودي بأنّ الدينار التونسي شبيه بمحرار قيس الحرارة حيث انه وكلما كان اقتصادنا معافى كان الدينار في صحة جيدة، وكلما ارتفعت حرارة اقتصادنا ـ كتعبير مجازي عن تدهور وضعيته ـ رأينا الدينار في حالة حرجة على حد تعبيره..

انعكاسات «مفزعة» لانزلاق الدينار وقفة المواطن في «خطر»

أمّا بخصوص انعكاسات تواصل انزلاق الدينار التونسي، فأفاد محدّثنا أن عواقبه ستكون وخيمة للغاية ومن بينها تفاقم حجم الديون المتكونة أساسا من العملة الصعبة التي ستتضاعف قيمتها بانهيار الدينار مؤكدا أن نسبة المديونية الجملية لبلادنا ارتفعت بشكل مفزع ذلك أنها بلغت 70 بالمائة بسعر الصرف الجديد للدينار مقارنة بالاورو والدولار، في حين أنها كانت قبل يومين فقط  من ارتفاعها في حدود 63 بالمائة أما في سنة 2010 فقد كانت لا تتجاوز الـ40 بالمائة..
في ذات السياق أكّد محدّثنا أن من بين انعكاسات انزلاق الدينار التونسي أيضا ارتفاع قيمة واردات العديد من السلع التي تكون تكلفتها بالعملة الصعبة، وهو ما سيؤدي إلى «التضخم المالي المستورد» الذي ستكون له تبعات سلبية على التضخم المالي العام الذي سيساهم في تدهور المقدرة الشرائية وبالتالي ضرب قفة المواطن التونسي خاصة وان هنالك واردات لا نستطيع التخلي عنها مثل المحروقات والسلع الغذائية وبعض الأدوية..
وفي ذات الإطار شدّد الجودي على أن المؤسسات الاقتصادية التي تقوم بتوريد المواد الأولية للعمل بها، ستتضرر بصفة كبيرة من انهيار الدينار التونسي على اعتبار ارتفاع تكلفة الإنتاج لدى هذه المؤسسات عبر غلاء القيمة المادية لوارداتها..
وقال الجودي انّ هذه الانعكاسات تنطبق كذلك على الشركات الأجنبية المنتصبة في تونس والتي تتعامل مع السوق المحلية حيث ستتراجع وتتقلص مرابيحها وهو ما من شأنه المساهمة في عزوف المستثمر الأجنبي على الانتصاب في بلادنا..

أبرز الحلول للخروج من «الأزمة»

وفي ما يتعلّق بحديثه عن أبرز الحلول التي يقترحها للحد من الأزمة الاقتصادية وبالتالي عودة «تعافي» الدينار التونسي، قال الخبير الاقتصادي معز الجودي انه يجب في البداية على رئيس الحكومة يوسف الشاهد التعجيل بالخروج أمام الشعب التونسي للإدلاء بتوضيحات بشأن الوضعية الاقتصادية للبلاد والقيام بتلافي أخطاء تصريحات وزيرة المالية وبعث تطمينات للفاعلين الاقتصاديين..
هذا إلى جانب اتجاه الدولة نحو التسريع في إقرار تقليص الواردات لخفض العجز التجاري المتنامي، إلى جانب القيام بالإصلاحات الجوهرية صلب الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية فضلا عن تسريع الإصلاح البنكي والمالي وإصلاح الضمان الاجتماعي وكذلك الاتجاه نحو التخفيض من تفاقم عجز الميزانية..
ومن بين الحلول التي ذكرها الخبير الاقتصادي ضرورة السهر والوقوف على قدم وساق لإنجاح الموسم السياحي القادم فالسياحة هي الكفيلة بجلب العملة الصعبة، إلى جانب تشجيع الصادرات التونسية من خلال بحث الدولة عن سبل لتشجيع المؤسسات الاقتصادية التي تقوم بالتصدير وإيجاد حلول لمشاكلها..

تونس باتت تعيش السيناريو اليوناني

وعن أبرز القطاعات الاقتصادية تضررا بانزلاق قيمة الدينار التونسي أكّد الخبير الاقتصادي أنّ مجمل القطاعات الاقتصادية سوف تتضرّر خاصة منها التي تعنى بالصناعات الالكتروميكانيكية والصناعات الغذائية فضلا عن المؤسسات التي تهتم بالتجارة العالمية...
في ختام مداخلته دقّ معز الجودي ناقوس الفزع حيث اعتبر أن تونس باتت اليوم تعيش في قلب السيناريو اليوناني نتيجة لما تمر به من أوضاع اقتصادية هشة وخطيرة من بينها تجاوز النفقات العمومية للواردات، وعجز ميزانية الدولة فضلا عن العجز التجاري وضعف النمو وانتشار مظاهر التهرب الجبائي والفساد وسوء الحوكمة وترقيع المصاريف العمومية عبر المديونية التي بتنا عاجزين عن سدادها..

حاورته: منارة تليجاني